الجمعة، 31 يوليو 2009

الصحف تتحدث عن التبليغ في مصر

"طموه".. ترانزيت "الدعوة والتبليغ" في مصر
السيد زايـد 30-06-2009
يبدأ العمل بعد "المشورة" الصباحبةلحية طويلة وجلباب باكستاني وعمامة.. علامات مميزة لكل من التقيتهم في "المركز العالمي للدعوة الإسلامية" التابع لجماعة التبليغ في قرية "طموه"، فعلى الرغم من تأكيدها عدم فرض زي معين على أعضائها، فإن قضية الشكل هي أول الدروس في طريق العضوية بجماعة التبليغ، لاسيما أن محلات بيع الملابس والعطور الهندية والباكستانية تنتشر بجوار مركزها.
تبعد القرية 25 كيلومترًا عن مركز العاصمة، في أول الطريق إلى الصعيد، وهو ما جعلها بمثابة نقطة انطلاق الجماعة إلى الصعيد وأحياء القاهرة والوجه البحري، وتتبع إداريا مركز "أبو النمرس" بالجيزة، والمنطقة برمتها كانت مسرحًا لنشاط الجماعة الإسلامية خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، فقد كان يقيم فيها علاء محيي الدين المتحدث الرسمي باسم الجماعة آنذاك، والذي فتح مقتله على يد أجهزة الأمن باب الثأر بين الجماعة والدولة.
في زيارتي الأولى أدهشني ذلك العدد الكبير من الرجال الذين يحملون حقائبهم وأمتعتهم تاركين خلفهم الأهل والأبناء لأجل "الخروج في سبيل الله"، يأتي هؤلاء الدعاة من مختلف المحافظات إلى "طموه" ليتم توزيعهم فيما بعد على كل مساجد البلاد، فـ"الخروج" هو أحد أهم وسائل الدعوة لدى الجماعة، وعلى كل عضو أن يخرج ثلاثة أيام في الشهر وأربعين يوما في السنة.
انتهت زيارتي الأولى بدرس في التوبة إلى الله، ودعوة غير صريحة بالانضمام إلى الجماعة وممارسة ما يسميها الشيخ محمد حنفي "سياحة الخروج في سبيل لله" لتنقية الروح مما علق بها من ذنوب ومعاصٍٍ، وحنفي هو أحد القضاة الذين انخرطوا في صفوف الجماعة بعد تقاعده، وقد رحب بي بعد أن عرفته بنفسي وضيفني بالحلوى كعادة الجماعة في استقبال ضيوفها.
قد يكون منهج التبليغ قد لبى حاجات لدى الشيخ حنفي، لاسيما وهو في العقد السابع من عمره، لكنه لن يكون بنفس الجاذبية لشباب في مقتبل العمر بحاجة إلى خطاب دعوي أكثر تطورا والتصاقا بالواقع ومشكلاته.وبعد عدة ساعات من الجلوس مع الشيخ والتعارف كان هناك وعد بلقاء آخر مع أمراء الجماعة في مصر بعد جلسة "المشورة".
المشورة ورأي الأمراء
في الأسبوع التالي ذهبت بعد تلقي الموافقة، ويبدأ اليوم في المركز بعد المشورة الصباحية لتحديد المهام والمسئوليات، ويتكون مجلس قيادة للجماعة في طموه من سبعة أمراء، بينهم أمير الجماعة في مصر، وكان حين زيارتي للمكان الشيخ شكري عرفة أحد أبرز رموز التبليغ في مصر، والذي توفي في 9 يونيو 2009، وقد خلفه في الإمارة الشيخ طه عبد الستار، ويندرج تحت هذا المجلس مركز "أبو النمرس"، ووظيفته هي القيام بعملية التنظيم والترتيب للأفواج والتشكيلات الدعوية.
وتقسم الجماعة مصر إلى سبع مناطق، تضم كل منطقة مجموعة حلقات، وكل حلقة تضم مجموعة مساجد، ومن كل مسجد يخرج مجموعة أشخاص يتجمعون في النهاية بمركز الدعوة في "طموه"، والذي ينظر إليه كـ"ترانزيت" لتوزيع الدعاة إلى كل أنحاء الدولة، فهناك يتم اختيار أمير لكل تشكيل أو مجموعة، ثم يتم توزيع التشكيلات على مناطق غير المناطق التي يسكنون فيها، فتذهب تشكيلات القاهرة مثلا إلى الصعيد، وتذهب تشكيلات الصعيد إلى الوجه البحري، وفي كل مرة يتم توزيع التشكيلات بشكل مختلف وعلى مناطق مختلفة من القطر.
يتكون المركز من ثلاثة مبانٍ تحيطها مساحة واسعة من الأرض الفراغ، وقد تبرع بالأرض التي أقيم عليها البناء الشيخ عبد الفتاح من أهالي القرية، والمكان أشبه بخلية نحل على مدار اليوم لاستقبال وتوزيع الدعاة، ضم المبنى الأول مسجدا للرجال والنساء ومكتبة ومكتبا يتم فيها جلسة المشورة وتداول الأمور حول الجماعة وسير العمل، إضافة إلى مطعم كبير يقدم الوجبات يوميا وبأسعار زهيدة، فيما خصص المبنى الثاني لإقامة الأفواج الدعوية، حيث يقيم الفوج في المكان ثلاثة أيام على الأكثر إلى أن يتم توزيعه، وخلال هذه الفترة يضطلع الجميع بدورهم في "الخدمة" في المركز، أما المبنى الثالث فيحتوي على عدة أداور، وبه عدة غرف للإقامة بجانب مكاتب لمسئولي الجماعة.
ليس عدد المصلين ومتابعة الدروس الدينية على مدار اليوم هو فقط ما يلفت الانتباه في المكان، ولكن النظام وتقسيم العمل، يسير هذا النظام وفق ما يسمى بـ"الخدمة"، والخدمة تنقسم إلى "خدمة الأبواب" واستقبال الزوار، وخدمة المطبخ وتجهيز الطعام، وخدمة تنظيف المسجد ودورات المياه، و"خدمة الاختلاط"، والهدف منها الانتشار والتخفي بين أعضاء الجماعة ومعرفة العناصر المدسوسة وسط الصفوف من الأمن أو اللصوص، وخدمة التأمين والحراسة، وهناك غرفة تسمى "غرفة النصرة"، يتم فيها توزيع المهام ومتابعتها، والهدف من الخدمة بجانب توطين النفس على الانكسار والتواضع المحافظة على النظام.
في سبيل الله

الدعوة مقدمة على العمل والوظيفة
"الخروج في سبيل الله" أهم الوسائل في الجماعة، وبرغم أن طول مدته يتعارض كثيرا مع العمل بالنسبة للموظفين فإن الشيخ عبد المعطي محمود أحد مسئولي الجماعة والمتخرج في كلية أصول الدين بالأزهر الشريف يرى "أن التفرغ هو مسئولية الشخص، ونحن نطلب من الله أن ييسر لنا سبل الدعوة، والحمد لله هي ميسرة".
في كثير من الأحيان يستحيل التوفيق بين التزامات العمل والوظيفة ومتطلبات الدعوة و"الخروج"، وهنا على الشخص أن يختار، وفي النهاية ترجح كفة الدعوة، وعدد غير قليل بالجماعة يتركون وظائفهم ويتفرغون للدعوة بجانب البحث عن فرصة عمل حر لا يقيد تحركاته، وهو ما أكده الشيخ عبد الحميد أحد الوافدين من الإسكندرية، حيث ترك الخدمة بالقوات المسلحة من أجل الجماعة، ويؤكد أنه اتخذ قراره بحرية ولم يندم عليه.
والخروج هو أحد أشكال الجولة، والجولة هي إحدى الوسائل الدعوية لدى الجماعة، وتقوم على مبدأ دعوة الأفراد في بيوتهم وأماكن عملهم أو حتى في الطريق، وهي تقسم إلى "جولة سيارة" وجولة البيوت ثم الخروج، والجولة السيارة تتم عن طريق السير على يمين الطريق والتوجه إلى أماكن تواجد الناس، وعادة تكون أسبوعية، ولكل جولة مسئول يتم الرجوع إليه في حالة حدوث أي مشاكل، وأما جولة البيوت فتتم من خلال الذهاب إلى بيوت الناس لدعوتهم، وهي تتم داخل المنزل، وإذا ذهب أحدهم ولم يجد إلا امرأة بالمنزل فإنه لا يدخل ويكتفي بطمأنة أهل البيت بأنهم دعاة إلى الله، أما الخروج فهو إما داخل مصر أو خارجها، والجولة في حالة الخروج تكون تعليمية أو شبابية بالتوجه إلى الشباب الغافل عن الدين، وقد يتعرض فيها الداعية إلى أذى حسي ومعنوي.
ومبررا أسلوب الجماعة في الدعوة يقول الشيخ عبد المعطي: "لا نهتم كثيرا بمخاطبة الذين يحضرون إلى المسجد من المصلين، ولكننا نركز على العوام الجهلة الذين يجاهرون بالمعاصي لحضور دروس العلم النافعة ومن ثم التوبة، وبعض الدعاة يسافر إلى الغرب لمحاولة حث الكفارعلى الدخول في الإسلام"، ويضيف: قضيتنا ليست أهل المساجد، ولكن العصاة الذين يجهلون الإسلام، وقد قمنا بدعوة مجموعة من الشباب عبدة الشياطين، وهداهم الله إلى طريق الإسلام".
التمويل والرقابة الأمنية
يقدم مركز "طموه" وجبات يومية للتشكيلات الدعوية، ويتم الإنفاق عليها عادة من تبرعات الأعضاء، كل من يتناول الطعام يضع ثمن الوجبة داخل صندوق مخصص لهذا الغرض، ويؤكد الشيخ شكري عرفة في حديثه بعد أن تناولت معه طعام العشاء أن الإنفاق على الدعوة والوجبات يتم من خلال تبرعات الأعضاء، وهي بضع جنيهات، كما أن السفر إلى خارج مصر يتحمل نفقته الشخص نفسه، ويؤكد عرفة أن هناك رقابة شديدة من قبل الأجهزة الأمنية على نفقات الجماعة، ولو كان هناك أي تحويلات نتلقاها من الهند أو باكستان لم تكن الدولة لتترك الجماعة حتى الآن.
العلاقة بين الدولة والجماعة تقوم على مبدأ البعد عن كل ما يثير حفيظة النظام، ولدى الجماعة قاعدة يسمونها "اللاءات الأربع"، وهي: لا للكلام في السياسة أو الدخول في الأحزاب، ولا للكلام في الخلافات الفكرية، ولا للكلام في الخلافات الفقهية، ولا للحديث في أمراض الأمة، وبقدر ابتعاد الجماعة عن السياسة وتأييدها للنظام الحاكم تكون مساحة الحرية المسموحة لها، والعكس صحيح.
ويشير الشيخ عرفة إلى أن "هدف الجماعة ليس الحاكم أو النظام، ولكن نشر الدعوة الإسلامية وإصلاح الفرد، ونحن نرى أن صلاح الفرد فيه صلاح للمجتمع، وصلاح المجتمع فيه صلاح الأمة كافة"، أي أن الجماعة تتعامل مع الدولة بمنطق "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، والدولة لا يضيرها من يلتزم بدينه ويحرص على أداء الصلوات الخمس في المسجد ويحفظ القرآن، بل يزعجها من علماء الدين من يتحدث في السياسة.
وبسؤالي عما إذا كانت هناك إملاءات من قبل الجهات الأمنية لمحاربة التيارات الإسلامية الأخرى، كالإخوان المسلمين المنافس الأول للنظام على السلطة، أو التيارات السلفية والمتشددة، يقول الشيخ عرفة إنه ليس هناك أي تعليمات من هذا النوع، والجماعة لا تدخل نفسها في لعبة السياسة، سواء أكان سلبا أو إيجابا؛ لأن هذا لن يجر علينا سوى المشاكل، ونحن نفرغ أنفسنا لهدف أسمى، هو خلق البيئة المناسبة للدعوة الإسلامية.
بين الشباب والنساء

تحرص الجماعة على العمل في الأوساط النسائية
لاحظت أن أغلب الوفود المترددة على المركز ممن تخطوا الخمسين في العمر، ونسبة الشباب في الجماعة قليلة، وتفسيري لهذا أن الخطاب للجماعة لا يشبع رغبات الشباب وطموحاتهم، ولا يعطي إجابات شافية عن القضايا المطروحة على الساحة الإسلامية، خاصة في ظل التنوع الذي تشهده الحالة الإسلامية من المد السلفي إلى صعود الفكر الجهادي، ناهيك عن الخطاب الإخواني الذي -وإن كان عليه انتقادات كثيرة- ينجح في استقطاب قطاعات شبابية كثيرة، خاصة طلبة الجامعات والمدارس، لكن الشيخ شكري عرفة لم يقبل هذا التفسير، ويرى أن التبليغ منتشر بين الشباب، ولو لم يكن هناك تواصل للأجيال لما استمرت رسالة التبليغ ووصلت إلى ما هي عليه الآن.تحرص الجماعة على العمل في الأوساط النسائية، فللمرأة مكانة خاصة لدى الجماعة من زاوية أنها مربية أجيال، وإذا التزمت بالدين فهذا ضمان بأن تخرج إلى المجتمع أسرة صالحة، ولا يقوم الرجال بدعوة النساء في الجماعة، فهناك داعيات يقمن بأداء هذا الدور، ويحكي الشيخ محمد حنفي أن زوجات الدعاة هن ناشطات في حقل الدعوة، وعليهن مثل ما على الرجال، ويؤكد أن علامة الالتزام لدى المرأة هي النقاب كفريضة على المرأة المسلمة.
بالنسبة للمرأة فالخروج يقتصر على المتزوجات، ولا تقيم النساء أثناء الخروج في المساجد كالرجال، ولكن في أحد منازل أعضاء الجماعة القريبة من المسجد، وتتولى النساء القيام بواجبات "الخدمة"، كإعداد الطعام وغسل الملابس، والهدف من خروج النساء كما يتحدث أحد أعضاء الجماعة هو تحصيل العلم، ودروس الوعظ الديني، ويقوم بها في كثير من الأحيان أحد الدعاة من الجماعة، حيث يجلس في مكان ما بالمنزل ويتحدث إلى الأخوات من وراء حجاب، يتكرر الأمر صباحا ومساء، وكل زوجة عليها أن تقوم بعد ذلك بدعوة غيرها من النساء.
وبرغم أن خروج المرأة تعترضه الكثير من الصعاب، كرعاية الأولاد ومتابعة الأمور المنزلية، فإن كل زوجة ترغب في الخروج عليها أن تدبر أمرها من خلال ترك أبنائها في رعاية أهلها أو أحد من الجيران، وهذا قد ينتج عن الكثير من المشكلات التي تقضي على أي مكاسب لخروج المرأة في سبيل الله، فرعايتها لأسرتها وبيتها هي أيضا جهاد في سبيل الله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
الدعوة والجهاد
يعتمد فكر الجماعة على مبدأ الدعوة الخالصة إلى الإسلام، استنادا إلى الآية الكريمة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} والحديث الشريف: "بلغوا عني ولو آية"، وعلى الرغم من المستوى السطحي لأغلب الدعاة في صفوف "التبليغ" وعدم إلمامهم بنواصي الشريعة والفقه وأصول الدعوة في البلاد غير الإسلامية، أو إتقانهم للغات الأجنبية، فإن الدكتور شكري عرفة يرى أن "مهمتنا تعريف الناس بالإسلام بكلمات بسيطة، ومن يشرح الله صدره للإسلام ويريد أن يتعمق في المعرفة فسيجد مصادر كثيرة لذلك".
سألت الشيخ شكري عن موقف الجماعة من القضايا المشتعلة على امتداد العالم الإسلامي كقضية الجهاد مثلا، فقال: "الجهاد قائم إلى يوم القيامة، ولكن دعوة الناس إلى الإسلام والأمر بالمعروف وجهاد النفس وتحصينها ضد الشهوات جهاد في سبيل الله، والقتال هو إحدى صور الجهاد، وحينما يدعو رئيس الدولة الذي هو في منزلة أمير المؤمنين إلى قتال العدو نلبي الدعوة، ولكننا لا نؤيد أن يخرج فرد أو مجموعة شباب لتحارب بحجة أن هذا جهاد".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق