الأحد، 16 أغسطس 2009

كلام العلامةأبو الحسن الندوي في جماعة التبليغ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رسالة لأبي الحسن الندوي جواباً على سؤال
عن جماعة الدعوةوالتبليغ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله وصحبه أجمعين .
أما بعد: إن جماعة الدعوة والتبليغ التي أنشأها العلامة الداعية الجليل الشيخ محمد الياس الكاندهلوي في الأربعينات من هذا القرن العشرين، والتي عرفت في العالم كله بنشاطاتها الدعوية والإصلاحية العظيمة، واعترفت الأوساط العلمية في شبه القارة الهندية بإخلاصها وتفانيها واستقامتها على الجادة, وجهودها الجبارة المحيّرة للعقول والمغيّرة للمجتمعات من حياة الغفلة والفسق والمعاصي إلى حياة التذكر والصلاح والتقوى، ولم يُحرم أي بلد لا في العالم الإسلامي ولا في البلدان الأوروبية وبلدان القارات في العالم من وفودها الدعوية وإرسالياتها المبشرة بالدين الحنيف، إن هذه الجماعة الإسلامية الصالحة هي – من دون شك – من أكبر الجماعات بل كبرى الجماعات الإسلامية على الإطلاق في العالم: أثرت على حياة مئات الآلاف من الناس، فأصبح عبّاد الدنيا العاكفون على الملذات والشهوات، والغارقون في حَمْأة المعاصي والإنتهاك للحرمات والاستهتار من عباد الله المخلصين والمسلمين الأبرار المتقين .
إن هذا التغيّر قلما شهدته المجتمعات، وقد كان هذا التأثير لكبار المجددين والمصلحين في التاريخ من أمثال الحسن البصري إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني إلى الدعاة الأجِلّة في مختلف البلدان الإسلامية، وعلى سبيل المثال الإمام ولي الله الدهلولي، احمد بن عرفان الشهيد وأصحابه وخلفائه الذين تركوا في الهند أمثلة رائعة من مآثر التجديد والإصلاح العظيمة، فأصلحوا العقائد وقاوموا الشرك والبدع والتقاليد الهندوسية والطقوس الشركية، وجميع أنواع المحدثات حتى كانت حركتهم أكبر وأقوى وأنشط حركة في سبيل إرساء دعائم التوحيد في شبه القارة الهندية، والقضاء على كل أنواع الشرك والبدع والضلالات وإظهار شعائر الدين، وإقامة الشريعة الإسلامية الغرّاء، ورفع راية الجهاد ضد قوى الباطل والطاغوت حتى سماهم الإنجليز المستهترون: بالوهابية، وأثاروا الضجة ضدهم وملؤا بهم الزنزانات والسجون، لقد كان الشيخ محمد الياس الكاندهلوي خليفة هؤلاء العظماء الأبطال من المصلحين والمجددين، الذي قام أيام كانت الهند تموج بالاضطرابات الطائفية التي كان يثيرها الإنكليز المستعمرون، وكان مثلث المسيحية والهندوسية والمادية يسيطر على الهند, ويأخذ بخناق المسلمين, ويذيب شخصيتهم, ويفقدهم دينهم وعقيدتهم وثقافتهم .
قام الشيخ محمد الياس في ضمن من قام من العلماء الأجِلّة المثابرين المناضلين بحركته الإصلاحية التي أسسها على العقيدة السلفية الصريحة الثابتة بالكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة من دون مواربة ولا مجاملة ولا خوف من الحكام المشغبين المثيرين للفتن، ولا من المبتدعة البريلويين الذين كانوا فتنوا الناس بالإشراك وعبادة الأضرحة والقبور والبدع والخرافات وضلالات الفرق الباطلة، ولا من الساكتين المُسالمين للانحرافات، قام بهمة عالية تنوء بالأقوياء الشجعان، ولم ينتظر مجيء الناس إليه بل خرج إليهم بإخلاص, وإيمان, واحتساب, وحرقة في القلب, ولوعة في النفس, يذكرهم بمعاني التوحيد الحقيقية والرسالة بعقيدة التوحيد التي غشيها ضباب الشرك والوثنية الهندية، ويذكرهم بالعبادة وعلى رأسها الصلاة: التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وبالذكر لله تعالى الذي يطمئن القلوب ويشرح النفوس ويثبت الأقدام، وبالعلم النبوي الشريف الذي يبقى الإنسان بدونه ميتاً وإن كان يدعى حياً، وبالإخلاص في العقيدة والقول والعمل, ويذكرهم بأخلاق المؤمنين بتراحمهم وتعاطفهم وتوادهم، وأن يعودوا إلى اجتماعيتهم، ثم بأن يتحركوا وينفروا وينشطوا في سبيل الله، دعاة مبشرين ومنذرين، يخلفون الأنبياء في أعمالهم ومهامهم فقد قال صلى الله عليه وسلم: "بعثتم مُيَسّرين ولم تبعثوا مُعسّرين", لقد قامت هذه الدعوة في هذا الجو وبهذه الدفعة الإيمانية والشرارة الإسلامية، وأنا عشتها وصحبتها, وأنا أشهد بالله أن هذه الجماعة رغم ما يوجد في كل فرد وفي كل جماعة من مآخذ أو بعض مواطن الضعف, أصلح الجماعات الإسلامية عقيدة وعملاً وسلوكاً، وأقواها تأثيراً وأكثرها إخلاصاً وتفانياً في العمل.
إنّ هذه الجماعة قامت على يد الشيخ محمد إلياس الذي كان من جماعة الإمام أحمد بن عرفان الشهيد والشيخ إسماعيل الشهيد وعلى مذهبها في التمسك بالتوحيد الخالص والسنة الصحيحة الصريحة.
قد عُرِفَ الشيخ الإمام إسماعيل الشهد – عدا جهوده الدعوية وجهاده – بكتابه العديم النظير باسم (تقوية الإيمان) الذي ترجمته مع تعليقات باسم (رسالة التوحيد), وقد طبع ونشر مراراً، لقد كان لهذا الكتاب من التأثير البالغ القوي والنفوذ العجيب ما أطار نوم المبتدعة والخرافيين، فأثاروا فتنة تِلْوَ فتنة ضد هذا الكتاب، الذي ضرب على الوتر الحساس وتناول جميع أنواع الشرك الجليّ والخفيّ، وأنواع البدع الدولية والمحلية بالرد والتفنيد والدحض بالحجج القرآنية الساطعة والأدلة الحديثية الباهرة، بحيث قطع دابر المبتدعة الضالين، وغني عن القول أن هذا الكتاب على غرار كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب المعروف بكتاب (التوحيد) بل أقوى منه ردّاً وإفحاماً وقطعاً لحجج الخرافيين.
ومن هنا فإن جماعة التبليغ والدعوة معروفة في طول الهند وعرضها وفي بنغلادش وباكستان بأنها جماعة وهابية تدعو إلى منابذة التقاليد الشركية ومحاربة القبوريين، وإن أشد الناس عداوة لجماعة التبليغ هم الطائفة البريلوية المبتدعة الخرافية التي تنتمي إلى الشيخ أحمد رضا خان التي تناصبها العداء، وتتهمها بالعمالة للحركة الوهابية، وتحارب كتاب تقوية الإيمان للإمام إسماعيل الشهيد، ولا تدع هذه الجماعة تدخل في مناطقها ومساجدها، وقد تشعل حرباً وتتعدى ضرباً لأصحابها، شأنهم في هذا الشأن الجاهليين الذين كانوا يقولون)): لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون )), ولكن يشهد الله أن كل هذه المحاولات والاتهامات والمناوشات لا تزيد الجماعة إلا صبراً واستقامة، فيجازيهم الله تعالى بقلب الأحوال وتغيير النفوس والقلوب، فكم من مبتدعة عادوا إلى حظيرة السنة ؟ وكم من واقعين في الشرك عادوا إلى التوحيد الخالص ؟ وكم من ضُّلال اهتدوا إلى الحق ؟ يشهد بذلك ويراه رأي العين كل من يجول هذه المناطق والقرى والأحياء, وإن كان هناك من مآخذ على بعض المنتمين إلى الجماعة فذلك يرجع إلى تقصيرهم وقلة استيعابهم وفهمهم للأسس والأهداف والمناهج والله على ما أقول شهيد,
وصلى الله على النبي وسلم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أبو الحسن الندوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق